الاثنين، 19 ديسمبر 2011

الشعب الانتهازي.


انتهز الشَّيءَ:  قَبله وأسرع إلى تناوله
انتهز الفُرْصةَ: اغتنمها وبادَر إليها / استغل نقطة ضعف.
الانتهازية  وقصر النظر صنوان فالشخص الانتهازي بالمعنى المشاع  يتمتع بانعدام التخطيط للمدى الطويل فهو دائما مرابط ومتحفز لاقتناص المغانم القريبة  والانتهازية يخلقها الحرمان أولا.
 حتى أنه يوجد مثال منتشر في أفراد الجيش المصري كنت دائما أسمعه عندما يأتي التعيين(الأكل) فترى العساكر يتهافتون وقل يمد يده ليأخذ ما تقع عليه أيا ما كان المهم يلحق وكان المثل يقول (إن جِه الموت خده الأول).
وهذا المثال يعنى أنك لن يمكنك بلوغ حقك إن لم تخطفه لأن من حولك سيقتنصونه وطبعا الغلبة للأقوى.
وغالبية الشعب المصري تم تجويعه إما غذائيا أو فكريا أو سياسيا(ماديا ومعنويا) خلال عقود الاستبداد بل أهدرت كرامته حتى قالت بعض النخب أن تم تجريفه. والتجريف هو إزالة الطبقة الخصبة الغنية .والتجريف و التبوير لهما غاية واحدة ألا وهى عدم الإنبات إلا بعد الاستصلاح وتظل هذه الأرض(الأغلبية) المجرفة غير صالحة  مهما بذرت فيها وسقيتها حتى يعاد استصلاحها(تعليميا وثقافيا). ولم تسلم كل الطبقات على اختلاف أنواعها منه ولكن بنسب متفاوتة.
الداعون إلى الثورة المصرية والمبادرون إلى القيام  بها لا شك أنهم الأقلية التي لم تذعن تحت رزء القمع ولم تتشارك مع النظام بأي نسبة فى العمل السياسي(الكعكوى) فهم لا يعرفون المداهنة وإنما واضحون لم يؤثر في شفافيتهم  كدر النظام ولم يستجيبوا لمساومة أحد على مبادئهم ومواقفهم الرافضة للنظام شكلا وموضوعا.
ولو تمت دراسة الخط الزمني لعدد المتظاهرين ابتداءا من 25 يناير وحتى التنحي  لوجد أنه حتى يوم الخميس 27 يناير كانت الفئة الحالمة هي التي فى مواجهة النظام فى المحافظات الثلاث (القاهرة والإسكندرية والسويس) ومن يوم الجمعة 28 انضم إليهم طلاب الحريات على اختلاف توجهاتهم فى محافظات ومدن الجمهورية وحتى مليونية الثلاثاء 1 فبراير كانت نسبة الثوار لا تتجاوز الـ3 % من الشعب المصرى على أقصى تقدير وموزعة على سائر الجمهورية ولما خطب المخلوع ليلة الأربعاء 2 فبراير خطابه المثير للجدل  الذى لم يلب طموحات الثائرين رضى به بعض السياسيين والإعلاميين والصحافيين وطالبوا الثوار بالتهدئة والانفضاض بل وتعاطفت مع الخطاب الأغلبية الصامتة  وجهز البعض منهم نفسه للخروج بمسيرات تأييد للرئيس.
ولولا فضل بلطجية النظام يوم الأربعاء الدامي 2 فبراير (موقعة الجمل)لأخذت الثورة منحى آخر وكذلك لولا تبيان الجارديان والجزيرة الفضائية  لثروات المخلوع لضربت الثورة فى مقتل .
ومع تعنت المخلوع بدأ نظامه فى محاولة استمالة بعض القوى السياسية من المعارضة والتى كانت مشاركة له فى لعبته السياسية عبر سنوات مضت من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات مرة فى العلن ومرات فى السر ملوحا لهم ببعض الامتيازات  المستقبلية فى حالة فض الميدان ولولا جسارة الشباب الثائر ومن خلفه بعض النخب الصادقة التي لم تتواطأ مع النظام من قبل لتم الالتفاف على الثورة.
ومع تواتر الأحاديث عن الثروات المنهوبة من الرئيس وزبانيته انضمت للثورة فئة كبيرة من الشعب قدرها البعض يوم التنحي بــ 15 مليون نفس أى خمس الشعب تقريبا مما أجبره على التخلى عن الرئاسة.
وبدراسة تلك الفترة ابتداءا من الدعوة الى التظاهرات وحتى التنحي يتضح أن
1)      بعض القوى السياسية عرضت على النظام تقديم تنازلات من جانبه (مطالب لإصلاح النظام السياسي)أثناء الدعوة للتظاهرات لتلافى القيام بها .
2)      أعلنت بعض القيادات  المعارضة عن عدم مشاركة أحزابها فى التظاهرات. ثم تصدرت المشهد الثوري  رغم ذلك وتفاوضت مع النظام ولكن لم يلب النظام ما كانت تطمح إليه من تنازلات
3)      بدأ انفضاض بعض القيادات من حول البرادعى وهى التى كانت ملتفة حوله قبل التظاهرات وحتى ظهور بوادر نجاحها Шل بدأ بعضهم في مهاجمته مع أنه كان محوريا بالنسبة لهم خلال الإعداد لهذه الثورة الغراء
4)      انضمام فئات من الشعب إلى الثورة بعد الإعلان عن نهب الأموال والثروات تحت عنوان عاوزين فلوسنا
5)      مطالبة الثوار بالتهدئة والانفضاض من خلال بعض السياسيين والإعلاميين والصحافيين بعد الخطاب الأول للمخلوع
6)      قيام بعض رجال الأمن وخصوصا المباحث وأمن الدولة بتنظيم مسيرات مكونة من بلطجية  ومسجلين وبمعاونة أعضاء المجالس المحلية ونواب سابقين وأعوانهم تأييدا للمخلوع عقب الخطاب الأول والثاني .

مما سبق يتجلى بوضوح قبل وأثناء الثورة أن كل فصيل من المعارضة أو السياسيين أو المنهوبين أو الإعلاميين أو حتى رجال النظام السابق  كان يعمل لتلبية متطلباته ومصالحه أو توجيه الثورة لخدمة أيديولوجيته بمنتهى الانتهازية .أما انتهازية هذه القوى عقب الثورة فقد تم تناولها فى مقالة سابقة بعنوان (نفاق القوى السياسية ومسئوليتها عن سوء ادارة البلاد)
وعلى الجانب الآخر (وأقصد بالجانب الآخر هنا القوم الذين لا يهمهم ما يجرى فى البلاد والذين هم حتى الآن يهاجمون الثورة مع أنهم كانوا أول المستفيدين منها) نجد أنه عقب اختفاء الأمن من المشهد أثناء الثورة حدث الاتى:
1)   استباح المزارعون عشرات الآلاف من الأفدنة من الاراضى الزراعية فى إقامة مبانى ومنشآت سكنية وتجارية فى انتهاز واضح لغيبة مؤسسات الدولة.
2)      قام السائقون فى كل مواقف الجمهورية بزيادة الأجرة وزيادة أعداد الركاب بالمخالفة للقانون.
3)      تم تهريب المواد البترولية أو تخزينها لبيعها بأزيد من سعرها الاصلى .
4)      إخفاء أنابيب البوتاجاز لبيعها بأضعاف أسعارها .
5)      تم التعدي على سائر أملاك الدولة إما بالبناء أو الاستغلال للتربح من ورائها.
6)      تم بناء أدوار سكنية مخالفة فى معظم محافظات الجمهورية.
7)      كثير من حالات الغش الجماعي في الامتحانات تمت تحت سطوة الفراغ الأمني ودرءا للهجوم على المدرسين.
8)      قيام كل فئة من فئات المجتمع بعمل مظاهرات فئوية من أجل الحصول على زيادات مالية .
أي أن الانتهازية كانت السمة الغالبة على معظم المجتمع المصرى منذ قيام التظاهرات لم يسلم منها الا الحالمون(الثورة يقوم بها الحالمون ويغتنمها الانتهازيون والمرتزقة) ثم دائما يتواتر الكلام فى كل محفل عن أن تعطيل الانتخابات البرلمانية التفاف على إرادة الشعب والمفروض أن لا يقولوا ذلك لأن شعبنا نفسه ملتف أصلا (يعنى مبروم على مبروم ما يلفش)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق