الأحد، 19 يناير 2014

دستور بتاع اللب




على الرغم من تصويتي بنعم ( التي أقولها بحرقة ) وبعد هذه النسبة المبهرة التي تخرس ألسنة من يقولون أن 30 يونيو كان انقلابا أستطيع الآن بلا تردد أن أصف هذا الدستور بدستور بتاع اللب .
لقد صوت ومعي كثيرون بالموافقة عليه فقط لإزاحة الإخوان من المشهد فكما يعلم المهتمون بالشأن العام المصري أن هذا الاستفتاء لم يكن على دستور وإنما على  برهنة أن الشعب موافق على القضاء على الجماعة (كتنظيم) ولأن الدستور هو أول خطوة فى خارطة المستقبل فقد برهن الشعب من خلاله على ذلك على طريقة (هيه جات فيك....لا مؤاخذه) . فلقد كان التصويت على هذا الدستور بالنسبة لنا كالاختيار بين شفيق ومرسى حين اخترنا شفيق على كره منا ( لعدم شعورنا بصلاحيته لشغل منصب الرئيس) لئلا تصل هذه الجماعة إلى السلطة لعلمنا بأنهم لا عهد لهم البتة وبأنهم غادرون.
ولا أنكر أنني وبعد إعلان النتيجة لا أجد الراحة النفسية والعقلية لعلمي أن هذه النتيجة ستوحى للكثيرين من الخلق بأن المنتج (الدستورى) جيد في حين أنه ليس كذلك وإن كان أفضل من دستور الإخوان الطائفي .
لم أقو على مناقشة الدستور باستفاضة وبيان مثالبه مع معظم معارفي وزملائي لئلا يستشعرون أنني أريد توجيههم للرفض ولكننا والله لو لم يكن الإخوان في المشهد لرميناه كسابقيه في أقرب مزبلة.
وأدلتي على سوء هذا المنتج هي :
أولا من حيث الروح العامة لكتابته : -
ا- لجنة الخمسين كتبت المسودة ونصب عينيها حكومات مبارك المتعاقبة فكبلت السلطة التنفيذية تكبيلا مخلا وكأنه انتقاما من حكومات مبارك في صورة من سيأتي فيما بعد فخلقت نظام حكم مشوه يدعى بالنظام شبه..........(أو المختلط) اختلطت فيه الرقابة بالتنفيذ بالتشريع بالمحاسبة فلا يعرف من سيحاسب من وفى ذلك خطر شديد قد تناولته في تدوينة سابقة حيث لا يؤدى إلى الاستقرار المنشود للتنمية
ب- ألزمت النصوص الحكومة القادمة بما لا طاقة لها به وفى نفس الوقت لم تضع توجها اقتصاديا معينا يعينها على الالتزام بما مطلوب منها ومن ثم فستتكالب الفئات المختلفة عليها لأخذ حقوقها الدستورية المنصوص عليها فور إقراره وسنشاهد في القريب تقطيع هدوم الحكومة القادمة.
ج- مشكلتنا في مصر هي أن أحدا لا يعرف ماذا يريد فلا سياسات ولا سياسيون ولو نظرنا فيما سبق لوجدنا أن من بعد الرئيس عبد الناصر تقريبا لا يوجد مسئول عنده مشروع محدد (أو مشروع من الأصل) فالوزراء على سبيل المثال يأتون ويذهبون لا تكاد تذكر إسم أحدهم لأنه يكون بمثابة مؤشر وموقع على بعض الأوراق ثم يذهب ويأتي غيره وهذا الدستور دعم هذا الاتجاه حيث لا يتيح للرئيس المنتخب إعمال برنامجه ورؤيته إذا ما قام المجلس النيابي بتشكيل  حكومة ائتلاف لا تتبنى توجهاته الفكرية .
ثانيا من حيث ديمقراطية الدولة :-
هل من المحتمل القيام بثورة ثالثة؟؟؟؟؟
نظريا -- نعم إذا لم تتحقق العدالة بمفهومها العام .
وهل كلما لم يعجب الناس الحكم ولم يلب مطالبهم قاموا بثورة؟؟؟؟
هذا هو بيت القصيد .... والإجابة تكمن في أيهما نفضل الديمقراطية الشعبية أم الديمقراطية النيابية؟؟
 البعض يطلق الديمقراطية بشكل عام  على أنها النيابية لأن النواب منتخبون من الشعب وهذا ما تم إرسائه في الدستور بتاع اللب حيث تغل يد الشعب عن محاسبة أعضاء برلمانه الذين انتخبهم و كذلك رئيس دولته خلال مدة عملهم فلا سبيل دستوري لتغيير آحادهم أو كلهم إذا ما أرادت جمعية الناخبين (الشعب) ومن ثم فعلى الشعب ممارسة سيادته كل مدة رئاسية أو برلمانية ثم يعلق تلك السيادة على الشماعة حتى الاستحقاق الانتخابي التالي ومن ثم فالتغيير الوقتي (الوقت الذي يريده الشعب في غير فترة الانتخاب) لن يتم إلا بثورة شعبية .
وكنا نريد أن تكون الديمقراطية شعبية في الدستور بوجود إجراء يمكن الشعب من تغيير ما يريد بآلية ما دون اللجوء لثورة وحتى تكون السيادة لصيقة به دائما لا تفارقه في أي وقت .
ثالثا دستور المالتى سلطات (Redundant-Authorities Constitution):-
نعلم أن الدول كلها تقوم على سلطات ثلاثة يفوضها الشعب للقيام بمصالحه وهو يستطيع تغييرها كلما أراد بل إن هذه السلطات تتداخل في أعمالها المالية والفنية بشكل ما لمصلحته .
وكارثة الكوارث أن تجد في هذا الدستور فصلا يتحدث عن هيئات وأجهزة ومجالس ليست منتخبة ولكنها خارجة عن الرقابة بشقيها الشعبية والمنتخبة (البرلمانية والرئاسية) حيث أن  لها الاستقلال الفني و الادارى والمالي وهو ما ليس للحكومة المنتخبة أو البرلمان المنتخب فنجد أن هذا الفصل يجعل بعض الأجهزة والهيئات فوق الدولة لا رقابة على أعمالها من أحد أي أن مصالح الشعب ستكون في أيدي بعض الناس الذين لا يسألون عما يفعلون وهو لم يخترهم (كأنهم قدر منزل من السماء).
رابعا : التفاهة
 من التفاهة بل والسفاهة أن يوضع المؤقت موضع الدائم وقد جاء ذلك في مواد التعليم والصحة في عبارة "حتى تصل إلى المعدلات العالمية" وفى هذا الأمر تتجلى التفاهة في أمرين
1-  أن هذه العبارات سوف تكون في غير محل (زائدة ليس لها فائدة) عند الوصول إلى المعدلات العالمية
2-  أن نسب الإنفاق على الأنشطة تتوقف على ما يراد منها فلو أننا نحتاج إلى أعلى من المعدلات العالمية أضعافا لوجب ذلك . فالحاكم هنا هو ماذا نريد؟
وفى موضع آخر " يدعو الرئيس المجلس لدور الانعقاد فإذا لم يدع ينعقد المجلس"أرى أن هذا الكلام هرتلة فإذا لم تكن هناك وجوبية لدعوة الرئيس فما الذى استدعى وجودها.
وكذلك وضع المواد فى غير موضع كالمادة 126 ما الذي وضعها في فصل مجلس النواب
خامسا : إنشاء الطبقات في دستور الظلم الاجتماعى (العدالة الاجتماعية)
الوزارات والمصالح والأجهزة في الدولة هي عبارة عن ربحية (الكهرباء ومياه الشرب وشركات قطاع الأعمال العام  وهيئة المساحة....الخ وتسمى بعضها هيئات استثمارية) وغير ربحية (خدمية كوزارة الرى والصحة والبيئة والزراعة....الخ) والفرق في التسمية هو بسبب توجهات الدولة وليس طبيعة العمل فالمهندس فى شركة مياه الشرب كالمهندس في الري والادارى في الكهرباء كالادارى في الصحة  لا فروق في الأعباء الوظيفية ثم يأتي الدستور المهني ليخلق طبقات ربحية "للعاملين نصيب في إدارة المشروعات وفى أرباحها" فعلى ماذا يكون نصيب الطبيب (مثلا) وهو لا يدير مشروعا ولا يدر ربحا وكذلك العاملون في الوزارات الخدمية الذين يقومون بنفس الأعمال التي يقوم بها نظرائهم في المصالح الربحية . وبالقياس يزول الالتباس
خامسا : كارثة الكوارث (لا يسئل عما يفعل وهم مذعنون)
هذه المادة الكارثة التى كانت فى دستور الاخوان الطائفى تم نقلها إلى هذا الدستور الفئوي المهني وهى المادة رقم 137 فبموجبها يستطيع الرئيس إصدار قرار بوقف جلسات المجلس تمهيدا لحله ثم لا يجرى الاستفتاء ولا سبيل إلى مسائلته أى أنه يستطيع وقف البرلمان عن العمل دون مسائلة كما أن الشعب لو لم يوافق على الحل فى حالة اجراء الاستفتاء فما من إجراء يتخد ضده رغم تعطيله برلمان الشعب عن ممارسة حق الشعب الموكل اليه.
ناهيك عن
أخطاء جوهرية في معظم مواده التي لو تم تحليلها تحليلا دقيقا لشكلنا من الآن لجنة جديدة لعمل دستور جديد للبلاد ....
فى مصر التى حكمتها كتلة من الغباء المتوقد على مدار 30 عاما سرت أطياف هذا الغباء في الجميع ومنهم بل من أكثرهم السياسيون والنخب فمن الغريب أن تجد آلاف المعارضين الذين يوجعون أدمغتنا ليل نهار في وسائل الإعلام بالحديث في الشأن العام  ولو وضع أحدهم في موقع تنفيذي لتبين سؤء تقديره وضآلة فهمه وضحالة ثقافته وعدم قدرته على إدارة أي شأن متناهي الصغر من شئون البلاد فنحن دولة على شفا جرف وما أصبح في الإمكان التجربة فينا بوزارة تلو وزارة ورئيس بعد آخر دون رؤية ....نحن نحتاج إلى شيء واحد حتى نتقدم إلى الأمام وهو وزن عرض كل فكرة وعمل على نظرية العلم فما وافقها أقررناه فقط فقط فقط وإذا لم يوجد عندنا هذه الرؤية فيكفينا فقط الآن رئيس يكون عمله هو شىء واحد وواحد فقط وهو ...جعل المصريين يحترمون القانون ... فمن استطاع عمل ذلك فسيتم تخليد اسمه في التاريخ  كخارق للعادة.