السبت، 8 مارس 2014

الحزب السياسي والعمل العام




من المعلوم يقينا أن العمل إذا لم يكن نتاجا لخطة موضوعة مبنية على تفكر عميق وهذا التفكر ناتج عن محصلة مجموعة من الخلفيات العلمية والخبرات التجريبية ...أصبح العمل عبارة عن محاولات عشوائية لا تأتى بالنتائج المرجوة ويكون تأثيرها من الضآلة بحيث تتلاشى سريعا .
وهذا يجرنا إلى الكلام عن النظرية والتطبيق.....فمن البديهي أن النظرية إذا لم تكن قابلة للتطبيق لأصبحت وهما أي لا قيمة موضوعية لها وأصبحت كأنها والعدم سواء , وبإسقاط هذه المفاهيم على واقعنا المصري يمكنني صوغه كالتالي:
قبل الثورة كانت توصف الأحزاب بأنها كرتونية لعدة أسباب منها
  • أن الأحزاب كانت تقوم بدور السنيد للنظام (كومبارس)
  • أنها لم تغير شيئا في الوعي العام للجماهير
حتى أنها لم تكن مؤثرة في قيام أحداث 25 يناير وكان العمل السياسي النيابي منه والشعبي لا يقوم على فكر بعينه وإنما محاولات واجتهادات خدمية فردية لنيل رضا الجمهور والحصول على تصويتهم وكانت محاولات المعارضين تنصب على ذم النظام القائم والطعن فيه تحت عنوان النائب الجريء و ممارسة تلك الطريقة لم تنفع ولا تنفع لإدارة دولة ولا الرفع من شأنها .
وبعد الثورة عندما نشأت الأحزاب الجديدة فإنها لم تقدم نماذجا جديدة تصحح المفاهيم الخاطئة عن فكرة وكينونة الحزب السياسي (ماهية الحزب) فظلت فكرة العوام عن الأحزاب كما هي (وأنا يا مولاي كما خلقتني) فلم تضف إليهم شيئا ولم تطرح حلولا موضوعية إنما ظلت تذكر مآخذا ومثالبا في بنية الدولة من غير طرح رؤية فكرية للإصلاح . كما أننا عندما نستمع إلى السياسيين أثناء تناولهم لمشاكل النظام في الدولة نكاد لا نجد فرقا بين ما يقوله الليبراليون والاشتراكيون أو اليسار واليمين وهذا من جملة المصائب.
ولمن لا يعلم فإن الحزب هو أرقى كيان في النظام السياسي لأنه من المفروض أنه بما يمتلك من علم ودراسة وخبرة وممارسة مؤسسيه (أصحاب الفكرة وليس الأعضاء المؤسسين ) ما جعله يتخذ مبادئا (فالحزب ليس له مبادىء وإنما يقوم ويبنى عليها) ومن خلالها يبنى تصورا لشكل الدولة وبناءا على ذلك التصور يضع نموذجا لشكل الإدارة الذي بدوره يحل مشكلات المجتمع وأنا أتصور أن كل من انتمى لأحد الأحزاب هو مطلع على فكرة الحزب مؤمن بمبادئه يعرفها شكلا وموضوعا ومن خلال حديثه يستطيع غيره التعرف على مبادئ حزبه , ولكن للأسف أن تصوري على غير الحقيقة وأنا أراهن أن أحدا من الناس لا يستطيع إذا تكلم أحد السياسيين أن يعرف في أي الأحزاب هو وذلك لأن كثير بل معظم المؤسسين والسياسيين ليسوا على مبادئ أصلا وإنما اتخذوا الأحزاب كوعاء أو كقناة شرعية لممارسة العمل العام بغض النظر عن المبادىء أو للبقاء في المشهد ليس إلا.
ولذلك نجد أنه بعد أعوام مضت منذ 25 يناير 2011 لم تتقدم الدولة قيد شبر لا على صعيد الممارسة ولا على صعيد الوعي, الرؤى ضبابية في معظمها والدولة من فشل إلى فشل وذلك لعدم وجود البدائل , وحتى الوزراء الذين  أتوا على خلفيات حزبية فشلوا ذريعا في إدارة أي ملف (جبتك يا عبد المعين) وذلك يدل على عدم وجود حلول داخل الأحزاب نفسها وهذا عجيب.
وكما أن البعض اتخذوا الأحزاب ليظلوا في الصورة نجد أن كثير من الشباب اتخذوها ليس عن قناعة بمبادئ أو أهداف وإنما ليمارسوا ما يسمى بالفعاليات الثورية من خلالها ومن هنا يحدث الخلل في العمل الحزبي مما يصيب الحزب بالشيخوخة منذ مولده لعدم ابتكار الحلول وتجديد الرؤى والأفكار مما يجعل الأحزاب كلها نسخة مكررة عند رجل الشارع.
العالم المتحضر تقوده النخب والعقول الواعية بالفكر والأحزاب فيها متى وصلت إلى الحكم قدمت حلولا ونفذت برامجا أما عندنا فالتغيير شكلي (في السحنة فقط ) كما أننا نعتبر(جهلا) أن نجاح الثورة هو الإتيان بوزارة من المشاركين فيها بغض النظر عن الفكر والإمكانيات .

الأربعاء، 26 فبراير 2014

مصر و المصريون و الثورتان بدون رتوش



قبل 25 يناير 2011
لا شك أن الفشل أصاب بنية الدولة الأساسية خلال فترة حكم حسنى مبارك (كما أنه لا شك في أن مبارك لم يتسلم من سابقه نظاما سليما مستقرا ) فكل قطاعات وأجهزة ومؤسسات الدولة بلا استثناء (بلا استثناء) أصابها الفساد المالي والادارى والفني وانعكس ذلك على المواطنين في أحوالهم وأرزاقهم ومعايشهم جميعها (على كل الأصعدة) علما وعملا وأخلاقا فتفشى الجبن وحب المادة (المال) والمحسوبية والرشوة إلى آخر  تلك المظاهر المنحطة الذي طغت على النخوة والكرامة في الجماهير بدرجة كبيرة وارتضوا بذلك.
"وإنني على مدى ثقافتي وخبرتي بالحياة أستطيع أن أقول أن الذي يفقد كرامته ثم يرضى (ثم يرضى ) بذلك حتى ولو في زمن القهر والشدة فمن الصعوبة بمكان استردادها حتى ولو في زمن الحريات لأنه تعود على الجبن حتى صار جبلة...ولأن الكرامة كالعرض لا يسئل صاحبه إلا إذا انتهك عن رضا منه"
وهذا ما أصاب جمعا غفيرا من الجماهير المصرية ابتداءا من المتعاملين مع الحكومة من العوام إلى صغار موظفيها إلى كبارهم وأنا كموظف عام رأيت بأم عيني آلاف الحالات التي أهدر فيها الأشخاص كرامتهم طواعية إما تملقا لنيل علاوة تشجيعية أو مكافأة (للموظفين) أو تخليص أعمال (للمتعاملين)والتي وصلت أحيانا لتقبيل الأيادي و التدني- والتذلل أيضا.ولا أستثنى من ذلك وظيفة معينة أو درجة علمية .
ولأن البيئة كانت فاسدة فقد تحلل الشعب وضرب الفساد جذوره في حين نمت الكائنات الضارة (الإخوان والسلفيون) الذين ترعرعا في هذا الجو الموبوء (تحت الأرض) وكان النظام يستخدمهما بطريقة أو بأخرى للحفاظ على وجوده عن رضا منهما . وهكذا أصبحت الدولة فاشلة وفوضوية.
ومن ثم فالأساس في عدم تظاهر وخروج أغلبية الشعب المصري على نظام مبارك طوال فترة حكمه يرجع لسببين رئيسيين أعظمهما هو الخوف من الإيذاء البدني (من أجهزة الأمن) ثم يأتي بعد ذلك انعدام وحدة الهدف والمنهج (التجمع والتوحد).
25 يناير 2011
دعت مجموعة من الشباب الذي لم يصبه فساد عهد مبارك إلى تظاهرة 25 يناير من أجل تغيير حبيب العادلى والناظر في هذا المطلب يجد أن هؤلاء الشباب كان يهمهم في المقام الأول بل و لربما كان المطلب الوحيد هو عدم تقبلهم لامتهان كرامتهم من الداخلية ولكن لأن هذا المطلب ليس هو مطلب كثير من الجماهير التي تؤثر السلامة ولقمة العيش على المطالبة بحريات لم تتعود عليها فأضاف الشباب العيش والعدالة الاجتماعية حتى يحركوا عددا كبيرا من الناس في الشارع ولا شك أن شعور الناس بأن النظام انتهى فعلا بدأ يوم 4 فبراير فلا ينسى أحد أنه عندما أعلنت الجارديان والجزيرة  عن الـ70 مليار (ثروة مبارك) نزلت الجماهير الهادرة التي لم تنزل من قبل (وهى التي حسمت الموضوع) هاتفين : عاوزين فلوسنا ومن تلك اللحظة سميت ثورة (اصطلاحا) . والسؤال الذي كان يدور بخلد البعض في تلك اللحظة .... أين كان هؤلاء من البداية (بداية التظاهرات)؟؟؟؟ لعل السبب واضح . "ولا ننسى أيضا أن بعض الكائنات الضارة (الإخوان) شاركوا عندما أحسوا بجدوى المظاهرات".
وبعد تخلى مبارك عن السلطة وتولى المجلس العسكري ظنت القوى السياسية المدنية "ولا أظنها قوى" أن النظام سقط وذلك ناتج عن قصور رؤية وقلة فهم بل أكاد أجزم أن ما كان يشغلهم وقتها هو المكاسب والتعويض عن فترات طويلة من القهر السياسي فأمعنوا في إظهار أنفسهم والتعبير عن ذواتهم ومن ثم تفرقوا شيعا ولم يدركوا ما هو المطلوب منهم فعله لدفع البلاد قدما, فوثبت الكائنات الضارة فوق الجميع وتصدرت جميع المشاهد.... حتى الشباب لم يلبثوا أن شعروا بأنهم خدعوا فلم تكد تمر فترة وجيزة حتى بدأت التظاهرات من جديد دفاعا عن الحريات في بلد لا يوجد به أمن "وهذا من العجائب"
وقد شهدنا جميعا الوزارات المتعاقبة من فاشلة إلى أفشل منها في التعامل حتى مع أبسط المطالب الملحة للجماهير مرورا بالمطالب الفئوية إلخ وهى أمور لم تنجح أية وزارة في إدارتها حتى بعد انتخابات مجلس شعب( ذى الأغلبية من الكائنات الضارة ) هبطت البلاد من سيء إلى أسوأ .
ومن العجائب أيضا أن البرادعى في لقاء تليفزيوني على الهواء قال أن المشير طنطاوى أخبره أن رئيس حزب الحرية والعدالة "محمد مرسى عيسى العياط" قال لو جه البرادعى رئيس وزرا هنولع فى البلد وبرغم ذلك حصل الرجل الذي هدد بتوليع البلد على 13 مليون صوت في الانتخابات !!!!!!وهنا كان على الساسة أن يسألوا أنفسهم كيف اختار الشعب من يهدده؟؟ كيف يفكر الشعب؟؟؟؟؟هل يفكر الشعب؟؟؟؟؟.
وجاء مرسى ومن أول وهلة وهو يدوس القوانين والدستور والأعراف بالجزمة مرة بعد مرة  ولم يتحرك لذلك إلا القلة المهتمة بالحريات أولا وعموم الشعب كانت تطالب بإعطائه فرصة !!!!
وعندما أحس عموم الشعب بأن الأحوال تضيق و شبح الإفلاس يطل بوجهه كانت ثورة 30 يونيو مما معناه فشل ثورة 25 يناير فلا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية .....وحمادة صابر أبلغ دليل على ذلك فالمنظر المشهور له كان من شأنه أن يزيح حكومات ويقيم شعوبا ويقعدها في الدول المحترمة .
الخلاصة :
أن 25 يناير فشلت في تحقيق أهدافها لأسباب عدة
أولا : الشعب
تدنى الوعي وانعدام الثقافة في معظم جماهيره بصرف النظر عن أسباب ذلك
ثانيا : السياسيون
عدم فهم الشعب المصري و أولوياته بسبب قلة درايتهم أصلا فمعظم السياسيين عندنا هم فنجرية بق ندر فيهم من يستطيع أن يربط بين النظرية والتطبيق وأبلغ دليل هو أننا دولة بها جيش جرار من الحاصلين على الدكتوراة أكثر من أكثر الدول تقدما وكذلك الأغلب الأعم ممن شغلوا كراسي الوزارة منهم أيضا , وبرغم ذلك تعانى الدولة من فشل بعد فشل
ثالثا : المجلس العسكري
أخطأ ذريعا في إدارة ما بعد مبارك ولم يدر أي ملف كما يجب وانخرط في صغائر الأمور وانغمس فى المصالح السياسية.
رابعا : الكائنات الضارة من الإخوان والسلفيين
فضلوا منافعهم الذاتية على مصالح الوطن والجماهير في أدق الفترات الزمنية في تاريخ مصر وطبعا الأسباب معلومة فهم لا يفهمون في غير المصالح الخاصة.
ولذا نقول أن 25 يناير ثورة فاشلة
30 يونيه 2013
لا شك أن الشباب وإن كانت أفكارهم حالمة أكثر منها واقعية ويتكلمون عن الغايات دون الكيفيات إلا أنهم وبتدبير إلهي لم يجعلوا نظام مرسى يهنأ أو يمرر أيا من مشاريع دولة الإخوان بنفس هادئ .
إلا أن هؤلاء الشباب لم تكن لهم القدرة على إزاحة مرسى من السلطة إلا عن طريق عموم الشعب التي حركها انهيار الاقتصاد وازدياد الأحوال المعيشية سوءا.
وبعد إزاحة مرسى من السلطة وجاءت حكومة رضي عنها معظم الشباب إلا أن رؤيتها لإدارة البلاد كانت معدومة تقريبا وهو ما نوهت عنه من أول قرار لها في اختيار العدد الهائل من الوزراء عديمي الخبرة أو فاقدي الرؤية أو المتمرسين فسادا في دولة تمد يدها وها نحن بعد ثمانية أشهر تقريبا من 30 يونيو وقد صدق الحدس وتمت استقالة الحكومة وتشكيل حكومة أخرى سوف لن تختلف كثيرا عن سابقتها وهذا ليس رجما بالغيب وإنما تشابهت عقولهم ومن ثم أستطيع من الآن أن أجزم بفشل ثورة 30 يونيو إلا من إزاحة الإخوان عن المشهد في مصر إلى ما شاء الله وإن كنت شخصيا أرى أن إزاحتهم يعد نجاحا باهرا إلا أن شعبنا الذي تعد أحواله المادية هي أهم شيء وفوق كل الأشياء بما فيها الحريات العامة لا يرى الأمر على هذا النحو.
من المعلوم يقينا أن التوالي أو النتائج مترتبة على المقدمات ومن ثم يستطيع المحلل المتمرس أن يدرك مآل الأوضاع من بدايتها ولذا فإن الثورات يمكن معرفة ما ستؤول إليه من أولى الخطوات بعد قيامها . ولكن فلننظر بعين العوام فبعد ثمانية أشهر من 30 يونيو ما زالت الأوضاع مثل قبل 25 يناير فساد وانحلال مالي و إداري وفني في كل أجهزة الدولة وهذا يبين جهل من ظن أن النظام كان مقيما في قصر الاتحادية.
ومن المعلوم بالضرورة أيضا أن البناء أسهل من الترميم ونحن دولة تحتاج إلى الاثنين معا فإدارة دولة جديدة أو مستقرة ذات نظام مؤسس على بنية صالحة يعد لا شيء بالنسبة إلى دولة تحتاج إلى الإصلاح والتطوير والتنمية لأن إصلاح النظام في حد ذاته أمر مجهد يحتاج من الخبرة والعلم والمهارة والدقة أرقاها وأعلاها ولذا فالذي يتكلم عن تنمية في هذا الوقت وفى سواد هذه المنظومة فهو إما جاهل أو مغرض ذو مطامع يريد أن تظل الدولة فاشلة.

الأحد، 19 يناير 2014

دستور بتاع اللب




على الرغم من تصويتي بنعم ( التي أقولها بحرقة ) وبعد هذه النسبة المبهرة التي تخرس ألسنة من يقولون أن 30 يونيو كان انقلابا أستطيع الآن بلا تردد أن أصف هذا الدستور بدستور بتاع اللب .
لقد صوت ومعي كثيرون بالموافقة عليه فقط لإزاحة الإخوان من المشهد فكما يعلم المهتمون بالشأن العام المصري أن هذا الاستفتاء لم يكن على دستور وإنما على  برهنة أن الشعب موافق على القضاء على الجماعة (كتنظيم) ولأن الدستور هو أول خطوة فى خارطة المستقبل فقد برهن الشعب من خلاله على ذلك على طريقة (هيه جات فيك....لا مؤاخذه) . فلقد كان التصويت على هذا الدستور بالنسبة لنا كالاختيار بين شفيق ومرسى حين اخترنا شفيق على كره منا ( لعدم شعورنا بصلاحيته لشغل منصب الرئيس) لئلا تصل هذه الجماعة إلى السلطة لعلمنا بأنهم لا عهد لهم البتة وبأنهم غادرون.
ولا أنكر أنني وبعد إعلان النتيجة لا أجد الراحة النفسية والعقلية لعلمي أن هذه النتيجة ستوحى للكثيرين من الخلق بأن المنتج (الدستورى) جيد في حين أنه ليس كذلك وإن كان أفضل من دستور الإخوان الطائفي .
لم أقو على مناقشة الدستور باستفاضة وبيان مثالبه مع معظم معارفي وزملائي لئلا يستشعرون أنني أريد توجيههم للرفض ولكننا والله لو لم يكن الإخوان في المشهد لرميناه كسابقيه في أقرب مزبلة.
وأدلتي على سوء هذا المنتج هي :
أولا من حيث الروح العامة لكتابته : -
ا- لجنة الخمسين كتبت المسودة ونصب عينيها حكومات مبارك المتعاقبة فكبلت السلطة التنفيذية تكبيلا مخلا وكأنه انتقاما من حكومات مبارك في صورة من سيأتي فيما بعد فخلقت نظام حكم مشوه يدعى بالنظام شبه..........(أو المختلط) اختلطت فيه الرقابة بالتنفيذ بالتشريع بالمحاسبة فلا يعرف من سيحاسب من وفى ذلك خطر شديد قد تناولته في تدوينة سابقة حيث لا يؤدى إلى الاستقرار المنشود للتنمية
ب- ألزمت النصوص الحكومة القادمة بما لا طاقة لها به وفى نفس الوقت لم تضع توجها اقتصاديا معينا يعينها على الالتزام بما مطلوب منها ومن ثم فستتكالب الفئات المختلفة عليها لأخذ حقوقها الدستورية المنصوص عليها فور إقراره وسنشاهد في القريب تقطيع هدوم الحكومة القادمة.
ج- مشكلتنا في مصر هي أن أحدا لا يعرف ماذا يريد فلا سياسات ولا سياسيون ولو نظرنا فيما سبق لوجدنا أن من بعد الرئيس عبد الناصر تقريبا لا يوجد مسئول عنده مشروع محدد (أو مشروع من الأصل) فالوزراء على سبيل المثال يأتون ويذهبون لا تكاد تذكر إسم أحدهم لأنه يكون بمثابة مؤشر وموقع على بعض الأوراق ثم يذهب ويأتي غيره وهذا الدستور دعم هذا الاتجاه حيث لا يتيح للرئيس المنتخب إعمال برنامجه ورؤيته إذا ما قام المجلس النيابي بتشكيل  حكومة ائتلاف لا تتبنى توجهاته الفكرية .
ثانيا من حيث ديمقراطية الدولة :-
هل من المحتمل القيام بثورة ثالثة؟؟؟؟؟
نظريا -- نعم إذا لم تتحقق العدالة بمفهومها العام .
وهل كلما لم يعجب الناس الحكم ولم يلب مطالبهم قاموا بثورة؟؟؟؟
هذا هو بيت القصيد .... والإجابة تكمن في أيهما نفضل الديمقراطية الشعبية أم الديمقراطية النيابية؟؟
 البعض يطلق الديمقراطية بشكل عام  على أنها النيابية لأن النواب منتخبون من الشعب وهذا ما تم إرسائه في الدستور بتاع اللب حيث تغل يد الشعب عن محاسبة أعضاء برلمانه الذين انتخبهم و كذلك رئيس دولته خلال مدة عملهم فلا سبيل دستوري لتغيير آحادهم أو كلهم إذا ما أرادت جمعية الناخبين (الشعب) ومن ثم فعلى الشعب ممارسة سيادته كل مدة رئاسية أو برلمانية ثم يعلق تلك السيادة على الشماعة حتى الاستحقاق الانتخابي التالي ومن ثم فالتغيير الوقتي (الوقت الذي يريده الشعب في غير فترة الانتخاب) لن يتم إلا بثورة شعبية .
وكنا نريد أن تكون الديمقراطية شعبية في الدستور بوجود إجراء يمكن الشعب من تغيير ما يريد بآلية ما دون اللجوء لثورة وحتى تكون السيادة لصيقة به دائما لا تفارقه في أي وقت .
ثالثا دستور المالتى سلطات (Redundant-Authorities Constitution):-
نعلم أن الدول كلها تقوم على سلطات ثلاثة يفوضها الشعب للقيام بمصالحه وهو يستطيع تغييرها كلما أراد بل إن هذه السلطات تتداخل في أعمالها المالية والفنية بشكل ما لمصلحته .
وكارثة الكوارث أن تجد في هذا الدستور فصلا يتحدث عن هيئات وأجهزة ومجالس ليست منتخبة ولكنها خارجة عن الرقابة بشقيها الشعبية والمنتخبة (البرلمانية والرئاسية) حيث أن  لها الاستقلال الفني و الادارى والمالي وهو ما ليس للحكومة المنتخبة أو البرلمان المنتخب فنجد أن هذا الفصل يجعل بعض الأجهزة والهيئات فوق الدولة لا رقابة على أعمالها من أحد أي أن مصالح الشعب ستكون في أيدي بعض الناس الذين لا يسألون عما يفعلون وهو لم يخترهم (كأنهم قدر منزل من السماء).
رابعا : التفاهة
 من التفاهة بل والسفاهة أن يوضع المؤقت موضع الدائم وقد جاء ذلك في مواد التعليم والصحة في عبارة "حتى تصل إلى المعدلات العالمية" وفى هذا الأمر تتجلى التفاهة في أمرين
1-  أن هذه العبارات سوف تكون في غير محل (زائدة ليس لها فائدة) عند الوصول إلى المعدلات العالمية
2-  أن نسب الإنفاق على الأنشطة تتوقف على ما يراد منها فلو أننا نحتاج إلى أعلى من المعدلات العالمية أضعافا لوجب ذلك . فالحاكم هنا هو ماذا نريد؟
وفى موضع آخر " يدعو الرئيس المجلس لدور الانعقاد فإذا لم يدع ينعقد المجلس"أرى أن هذا الكلام هرتلة فإذا لم تكن هناك وجوبية لدعوة الرئيس فما الذى استدعى وجودها.
وكذلك وضع المواد فى غير موضع كالمادة 126 ما الذي وضعها في فصل مجلس النواب
خامسا : إنشاء الطبقات في دستور الظلم الاجتماعى (العدالة الاجتماعية)
الوزارات والمصالح والأجهزة في الدولة هي عبارة عن ربحية (الكهرباء ومياه الشرب وشركات قطاع الأعمال العام  وهيئة المساحة....الخ وتسمى بعضها هيئات استثمارية) وغير ربحية (خدمية كوزارة الرى والصحة والبيئة والزراعة....الخ) والفرق في التسمية هو بسبب توجهات الدولة وليس طبيعة العمل فالمهندس فى شركة مياه الشرب كالمهندس في الري والادارى في الكهرباء كالادارى في الصحة  لا فروق في الأعباء الوظيفية ثم يأتي الدستور المهني ليخلق طبقات ربحية "للعاملين نصيب في إدارة المشروعات وفى أرباحها" فعلى ماذا يكون نصيب الطبيب (مثلا) وهو لا يدير مشروعا ولا يدر ربحا وكذلك العاملون في الوزارات الخدمية الذين يقومون بنفس الأعمال التي يقوم بها نظرائهم في المصالح الربحية . وبالقياس يزول الالتباس
خامسا : كارثة الكوارث (لا يسئل عما يفعل وهم مذعنون)
هذه المادة الكارثة التى كانت فى دستور الاخوان الطائفى تم نقلها إلى هذا الدستور الفئوي المهني وهى المادة رقم 137 فبموجبها يستطيع الرئيس إصدار قرار بوقف جلسات المجلس تمهيدا لحله ثم لا يجرى الاستفتاء ولا سبيل إلى مسائلته أى أنه يستطيع وقف البرلمان عن العمل دون مسائلة كما أن الشعب لو لم يوافق على الحل فى حالة اجراء الاستفتاء فما من إجراء يتخد ضده رغم تعطيله برلمان الشعب عن ممارسة حق الشعب الموكل اليه.
ناهيك عن
أخطاء جوهرية في معظم مواده التي لو تم تحليلها تحليلا دقيقا لشكلنا من الآن لجنة جديدة لعمل دستور جديد للبلاد ....
فى مصر التى حكمتها كتلة من الغباء المتوقد على مدار 30 عاما سرت أطياف هذا الغباء في الجميع ومنهم بل من أكثرهم السياسيون والنخب فمن الغريب أن تجد آلاف المعارضين الذين يوجعون أدمغتنا ليل نهار في وسائل الإعلام بالحديث في الشأن العام  ولو وضع أحدهم في موقع تنفيذي لتبين سؤء تقديره وضآلة فهمه وضحالة ثقافته وعدم قدرته على إدارة أي شأن متناهي الصغر من شئون البلاد فنحن دولة على شفا جرف وما أصبح في الإمكان التجربة فينا بوزارة تلو وزارة ورئيس بعد آخر دون رؤية ....نحن نحتاج إلى شيء واحد حتى نتقدم إلى الأمام وهو وزن عرض كل فكرة وعمل على نظرية العلم فما وافقها أقررناه فقط فقط فقط وإذا لم يوجد عندنا هذه الرؤية فيكفينا فقط الآن رئيس يكون عمله هو شىء واحد وواحد فقط وهو ...جعل المصريين يحترمون القانون ... فمن استطاع عمل ذلك فسيتم تخليد اسمه في التاريخ  كخارق للعادة.